close
فنون

ثريا إبراهيم.. فنانة أقعدها المرض علي كرسي متحرك وتجاهلها الفنانين ولم تنساها “ديزني”

كتابتي لمقدمة هذا الحوار هي أشبه بالاعتذار أكثر من كونها استهلالاً وتعريفاً ببعض ملامح تلك الشخصية التي تشبه في قصتها قصص الكثير من الأمهات المصريات بينما تشبه القليل منهن في إصرارهن على مطاردة أحلامهن وتحقيق موهبتهن… الاعتذار هو للإبنة إيمان التي تم لقائي بها منذ عدة أشهر في منزلها الكريم على وعدٍ بنشر هذا الحديث قبل عيد الأم في 21 آذار الماضي لكن للأسف حالت بعض الظروف الخاصة بي دون ذلك…. أما الشخصية فهي للفنانة الأم التي رحلت عن دنيانا في 17 يناير 2015.. هي “الكبيرة” الفنانة ثريا إبراهيم.

تعكس رحلة الممثلة ثريا إبراهيم ليس فقط إرادتها في تحقيق حلمها في مجال الفن مهما طال بها العمر وكانت الصعاب وحرصها على ألاّ تُخلف وعدها معه أبداً، بل تعكس أيضاً الجانب غير المعلوم لفئة من الوسط الفني طالما عانت من النظر لها نظرة غير مكتملة على اعتبار أن أدوارهم هي أدوار ثانوية لا تؤثر في العمل الفني وتناسى من هو قائم على تلك الصناعة أن الكثير من العبارات والجمل التي جاءت على لسان هؤلاء إنما أصبحت الإيفيه الذي يردده المواطن البسيط ليعبر به عن نفسه في حياته اليومية والعادية.

1- كان ترتيب والدتي الرابع من بين أخواتها التسع (6 بنات عملن في مجال التدريس و3 أولاد أحدهما مهندس اتصالات وآخر في مجال الغزل والنسيج) ودائماً ما تمتعت بالشخصية القوية الراغبة في إثبات ذاتها لذلك كان نزولها المبكر للعمل وهي في سن صغيرة فهي من مواليد 1937 وبالرغم من أن بداية احترافها مجال التمثيل تعود لسنة 1979 إلا أنها بدأته في سن 13 عاما من عمرها على مسرح البلدية أو ما يعرف حالياً بدار الأوبرا في محافظة الغربية مسقط رأسها حيث حرصت من خلال عملها بالثقافة الجماهيرية أن يكون لها عملاً مسرحياً كل عام حتى أصبحت الفنانة الأولى بجوار زميلتها الفنانة راوية سعيد زوجة الممثل رياض الخولي.

2- لم تنس يوماً عشقها للفن ورغبتها في إثبات موهبتها فيه، لكن هذا العشق لم يطغ يوماً على القيام بدورها كأم علي أكمل وجه، لذلك عندما سافرنا إلى ليبيا لظروف عمل والدي وكنت وقتها في المرحلة الإعدادية تفرغت تماماً لتربيتي وإخوتي هناك حتى أصبحت على أعتاب المرحلة الجامعية فكان قرار العودة ومعه عادت أمي معي للقاهرة وكانت في قمة سعادتها لعودتها والوقوف مرة أخرى على مسرح السامر بجوار مسرح البالون بالقاهرة وزاملها في تلك الفترة كل من الأساتذة سعد أردش، كرم مطاوع، أحمد صيام وأحمد عبد الجواد.

3- كانت تؤمن بالفن فلم تبخل يوماً عليه بمجهودها أو صحتها حتى أنها كانت تعتمد بشكل شبه كامل في سنواتها الأخيرة على جهاز الأوكسجين وكانت لا تنام الليل أو النهار ورغم ذلك عندما كان يعرض عليها عمل تجدها في غاية الاستعداد والالتزام وتهب نفسها تماماً له وكانت تحمد الله على تنوع أدوارها الفنية وتواجدها من خلال المسلسلات التليفزيونية والإذاعية والوقوف على خشبة المسرح القومي ومشاركتها في العديد من المسرحيات مثل “شارع محمد علي” مع الممثلة شيريهان و”أولاد الشوارع” مع الفنان علي الحجار إلى أن جاء الدور الذي كان بمثابة الطفرة بالنسبة لها وزادت شهرتها على أثره هو دور( الكبيرة) مع النجم محمد سعد في فيلم “كتكوت” 2006 تلاه فيلم “عندليب الدقي” مع الفنان محمد هنيدي 2007 ثم توالت بعد ذلك العديد من الأعمال والإعلانات التجارية.

5- زاملت والدتي في الكثير من أعمالها كبار الفنانين والفنانات مثل سيدة الشاشة فاتن حمامة في مسلسل “ضمير أبلة حكمت” ويحي الفخراني وصلاح السعدني وصفية العمري في مسلسل “ليالي الحلمية”-بالمناسبة فإن النجمة صفية العمري كانت تقدر والدتي وتقبل يدها حباً وليس كما أشيع عن وجود خلاف بينهما- كان هذا الجيل القديم بالنسبة لها هو “الفن كله” أما الأجيال الجديدة فأحياناً كان العمل معاها بمثابة باب للرزق ومصدر للدخل.

6- كٌنت بالنسبة لوالدتي وأنا ابنتها الوحيدة بمثابة الأخت والصديقة والرفيقة خاصة بعد انفصالي عن زوجي وإقامتها معي بشكل دائم حتى رحيلها عن دنيانا، فلم يكن لديها أصدقاء وليس لها في السهرات الفنية، فالفن على عشقها له كان بالنسبة لها المهنة التي تُرزق منها. أذكر كيف كنا نستمع سوياً لغناء ليلى مراد وأم كلثوم التي كانت تحفظ أغانيها عن ظهر قلب عند سماعها للمرة الأولى وتقوم بغنائها في اليوم التالي على مسرح البلدية مع فرقة طنطا الموسيقية. لا أنسى لها أبدا عندما أردت دخول كلية التربية الرياضية بالقاهرة أن أصرّت وقتها علي ترك مدينة طنطا ومرافقتي خلال سنوات الدراسة الجامعية على أن يأتي والدي وإخوتي لزيارتنا أسبوعياً يومي الخميس والجمعة إلى أن عمل أحدهم في السعودية والآخر في فرنسا والأخير كان على أعتاب دخول كلية الشرطة.

6- كانت إنسانة “بيتوتية جداً” وتقوم بواجباتها كاملة كأم وبرغم حنيتها الشديدة إلا أنها لم تكن تُظهر حنانها بسهولة لمن حولها، فما مرّت به في حياتها من صعاب أصقل شخصيتها وجعلها أكثر صلابة وربما ظهر ذلك جلياً في أدوارها الصعيدية التي تفوقت في آدائها.

7- بسبب معاناتها مع المرض دخلت للعناية المركزة حوالي 13 مرة في سنواتها السبع الأخيرة أي حوالي مرتين في السنة الواحدة ومع ذلك لم يسأل أو يتواصل معها أحد وكانت نقابة الممثيلن هي السند بالنسبة لها إذ كان يصرف لها في حدود 12 ألف جنيه سنوياً، وما أحزننا نحن كأسرتها أنه بالرغم من إقامة عزاءين لها أحدهما في طنطا التي أوصت بدفنها في أرضها والآخر في القاهرة إلا أنه لم يحضر أحد سوي الفنانة منال سلامة على ما أتذكر حتى تلغرافات العزاء لم نتلقّاها.

8- في إحدى المرات خلال جلوسها أثناء عملها مع الفنان هشام سليم وبعض الزملاء سألها أحدهم “نقسك في إيه” فأجابت “نفسي أحج وربنا يتوب عليا” فاصطحبها النجم هشام سليم معه إلى منزله وكان أخي بصحبتها وأعطاها مبلغ ٥٥ ألف جنيه بما يغطي وقتها 2009 مصاريف حج درجة أولى وهو لم يكن قد أدى فريضة الحج بعد. وأذكر هنا موقفاً طريفاً كانت تحكيه لي أنه أثناء تواجدها في الروضة الشريفة وعِلم بعض العاملين هناك أنها ممثلة قالت لهم “أنا عايزة اشتغل معاكم” فكان ردهم “طيب نكلملك بن لادن” وغلبت روح الفكاهة على الحديث وعند عودتها لغرفة الفندق داعبت زميلتها ضاحكةً “أخيراً بن لادن هيشغّلنا….هيقطع رقبتنا”.

9- كانت والدتي إنسانة بسيطة في ملبسها تحب الجلابية البلدي والمنديل لتغطية رأسها وكانت سعيدة جداً بالتصاق اسمها بلقب “الكبيرة” كما كانت تسمى في فيلم “كتكوت” وأذكر يوم افتتاح الفيلم أن أخذتها لحضوره في إحدى دور السينما وأخذت تعلق وهي في قمة الضحك والفرح على أحد المشاهد قائلةً “يا نهار أسود أنت بتقتلني” “إيه اللي أنت عملتيه ده يا ثريا” كانت تستمتع بمشاهدة نفسها في أدوارها المختلفة فتنقد بعضها وتعلّق علي البعض الآخر بشكل كوميدي ساخر ولم تندم يوماً على أيٍ من أدوارها.

10- أسرتنا تعتبر أسرة فنية فأخي يحب عزف الموسيقى والآخر كان يهوى حفظ الشعر وكتابته على الحائط وأنا أجيد الغناء حتى ابنتي مروة كانت هاوية للتمثيل واصطحبتها والدتي بالفعل للمخرج أحمد توفيق وكان يستعد لتصوير مسلسل “رد قلبي” فأسند لها دور “إنجي” في مرحلة الشباب وكانت وقتها في المرحلة الإعدادية، وبعد هذا المسلسل رفض والدها نهائيا استمرارها في التمثيل حيث أراد لها أن تكمل دراستها لتصبح مهندسة.

11- دائماً ما كانت تستشعر نفسها مثل النجمة الراحلة ملك الجمل في قوتها أو في جبروت الممثلة نجمة إبراهيم والفنانة زوزو حمدي الحكيم إلاّ أنها كانت تحب الممثلة هند رستم كثيراً واعتبرتها قدوة لها حتى أنها كانت تشبهها وهي صغيرة وكانت تقترب منها في طريقة كلامها وصوتها حتى لقِّبت في محيط الأسرة بـ”ثريا هند رستم”.

12- كٌرمت والدتي بالعديد من التكريمات وشهادات التقدير منذ أول عملها بالثقافة الجماهيرية وأدوارها في كلٍ من مسرحيتي (سيدة الفتى حمدان) عن قصة الفتى مهران لعبد الرحمن الشرقاوي و(كفر التنابلة)، إلاّ أن أحبها على القلب هو حصولها على لقب الأم المثالية في 2007 ويحضرني هنا بعد إنجابها لي ولأخوي محمد وعمرو -ولم تكن تبلغ 19 سنة من عمرها- أن أنجبت توأماً لكن رحلا عن الدنيا ثم أنجبت توأماً مرة أخرى لكن رحلا أيضاً ثم جاء بعد ذلك أخي إيهاب الذي أصبح لواء في الشرطة المصرية وكادت أن تفقده هو الآخر في إحدى العمليات الشرطية أثناء مواجهته لبعض الإرهابيين وكان وقتها في محافظة المنيا وتعرض زميل له للمحاصرة فجاءته التعليمات بالاقتحام بالمدرعة وإنقاذ زميله وبالفعل تم ذلك لكن بعد إصابته بالرصاص في بطنه لكنه تحامل على نفسه حيث اضطر للسباحة مع زميله المصاب أيضاً في كتفه لعبور ممر مائي حتى تم إسعافهما للمستشفى، ومع علمي بما حدث مبكراً لم أجرؤ على إخبار والدتي حتى علمت بالخبر من الصحف بعد يومين من الحادثة وحصل أخي على وقتها على نوط الشرف.

13- أول من طلبها لتؤدي بصوتها شخصيات الرسوم المتحركة في أفلام والت ديزني هو المذيع أحمد مختار وأشهر أدوارها كان شخصية “روز” في فيلم “شركة المرعبين المحدودة”، وقام محمد هنيدي فيه بدور “مارد وشوشني”. ونظراً لصوتها المميز ومخارج ألفاظها للغة العربية الصحيحة كان يتم الاستعانة بها من قِبل الإذاعة الليبية لتقديم الرئيس القذافي قبل إلقاء خطبته فيما عُرف بالكتاب الأخضر.

14- كانت والدتي ثورجية من أيام النحاس باشا ونزولها للمظاهرات وكانت تمتلك حس وطني عالٍ جداً وكانت قلقة على مصر في 2011 ثم وصول الإخوان للحكم وندرت ندراً أنه مع رحيلهم ستذبح خروفين وبالفعل تم ذلك وهي تدعي ربها “يا رب احفظ البلد دي” وعلّقت صورة المشير السيسي وقتها في المنزل بجوار صورة ابنها الضابط إيهاب.

اعلانات جبنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى