ناهد شريف.. تزوجت من غير ديانتها وتخلت عن ثيابها من أجل شقيقتها.. شاهد صورة زوجها الذي أنهى حياته
قليلات هنّ من الفنانات المصريات اللاتي احترفن تقديم أدوار الإغراء ليس بمفهومه العام كأن تقدم إحداهن مشهدًا أو أكثر ، ولكن بمفهومه الأكثر جرأة أي التعري الكامل، ومن هؤلاء الراحلة ناهد شريف، التي عرفتها الشاشة الفضية في البداية بأدوار أقرب للبراءة والنقاء وساعدتها على ذلك ملامحها الجميلة البسيطة، لكنها سرعان ما شاركت في الأفلام التجارية التي لا تحمل مضمونًا هادفًا، وشيئًا فشيء قادتها هذه النوعية من الأفلام إلى دورها الأكثر جرأة ليس في تاريخها الفني فحسب ولكن في تاريخ السينما العربية.
نجمة الإغراء مرت منذ نعومة أظافرها بظروف حياتية بالغة القسوة، حيث عاشت يتيمة الأبوين، وما إن بدأت الحياة تبتسم لها، ببزوغ نجمها سريعًا، حتى أخذتها لدوامتها مرة أخرى، لينطفئ نجمها سريعًا.
ولدت سميحة محمد زكي النيال ” ناهد الشريف في 1 يناير عام 1942 بالإسكندرية، وهي الابنة الوسطى بين 3 فتيات، حيث انتقلت مع عائلتها إلى القاهرة في حي الزمالك، والتحقت بمدرسة “ليسيه” الفرنسية، لكن سرعان ما تغيرت الحياة الهانئة إلى أخرى شديدة القسوة، وبدأ ذلك بإصابة شقيقتها الصغرى بمرض شلل الأطفال، وكادت أن تصاب به هي الأخرى لولا أن تم علاجها مبكرًا، وعلى أثر ذلك ظلّت تواجه صعوبة في تحريك يدها اليسرى.
صدمة جديدة تلقتها مع رحيل والدتها يوم زفاف شقيقتها الكبرى إيناس، وكان عمرها وقتها 8 سنوات، وأصبح اليُتم والحزن جزءًا من حياتها رغم محاولات والدها ضابط الشرطة تعويضها عن هذا الحرمان، لكنه زاد من عزلتها بعدما فرض عليها قيودًا كثيرة، إلا أن الأقدار لم تسعفه أيضًا ليرى ابنته تكبر، حيث رحل هو الآخر وعمرها لم يتجاوز 14 عامًا.
سميحة كانت تحلم أن تصبح مطربة مشهورة، واختارت لنفسها اسم “ناهد شريف”، وأرادت صديقة العائلة الفنانة زبيدة ثروت، أن تُخرجها من اكتئابها، وحاولت أن تُدخلها إلى الوسط الفني، وبالفعل بدأت حياتها الفنية بتعرفها على مدير التصوير وحيد فريد، الذي قدّمها للفنان عبد السلام النابلسي، فمنحها دورًا صغيرًا في فيلم “حبيب حياتي” 1958، من إخراج نيازي مصطفى.
خجلها الشديد كان سبب تأخر نجوميتها في السينما، وبدأت حياتها الفنية بأدوار الفتاة البريئة المغلوبة على أمرها أو الطالبة التي تقع في حب البطل الذي يقوم بخداعها، لكن سرعان ما تمردت على اختيارات المخرجين لها ووضعها في هذا القالب، وقررت استخدام جمالها وملامحها المثيرة في تقديم أدوار الإغراء، فحدث تغيير كلي لأدوارها، وقدم أحد أعضاء مجلس الشعب استجوابًا لوزير الثقافة لظهورها شبه عارية على “أفيش” الفيلم، فأمر الوزير بتغطية جسد ناهد.
بعد هزيمة 1967، عانت السينما المصرية من حالة ركود، وكانت الهجرة الجماعية لكل العاملين في الصناعة الذين وجدوا في استوديوهات بيروت، دمشق، وإسطنبول ملاذًا، وقدموا عشرات الأفلام، غالبيتها ذات مستوى رديء، ولكن أجبرتهم ضروريات الحياة على تقبل هذه النوعية بدلًا من البطالة، ومن بينهم ناهد شريف، خاصةً أنها كانت العائل الوحيد لشقيقتها التي كانت تعاني الشلل، وتحتاج إلى رعاية ونفقات دائمة، ولم تكن من النوع الذي يتاجر بمأساته أو يشكو حاله لينال عطف وتعاطف الآخرين.
زيجاتها
كما كان فيلم “تحت سماء المدينة” عام 1961، سببًا في تغيير مسار مشوارها الفني، كان أيضًا سببًا في تغيير حياتها، فبعد تعاونها مع المخرج حسين حلمي المهندس، من خلال الفيلم، عرض عليها الزواج، ورغم فارق السن بينهما (20 عامًا) قبلت ناهد، وكانت تبلغ وقتها 18 عامًا، ما أحدث لها نقلة اجتماعية وفنية، وقدمها في عدة أفلام، بدأت في نفس عام الزواج من خلال فيلم ”عاصفة من الحب”، أمام الممثل صلاح ذو الفقار، ولكنها انفصلت عنه دون كشف الأسباب.
خلال أحداث الفيلم أيضًا، وقعت في غرام بطله فتى الشاشة الأول كمال الشناوي، لكنها لم تستطع البوح بحبها، فظلت تخفيه ولم تستطع التخلص من حبها، وعقب طلاقها اتصلت به لتقابله، وسألته عن سبب ضرورة أن يأتي طلب الزواج من الرجل وليس المرأة، فأوضح لها أن ذلك يعد تكريمًا للمرأة، حتى تكون صاحبة الرأي والاختيار، وأدرك الشناوي الهدف وراء سؤالها، وهو أن ناهد أرادت أن تخبره بمشاعرها تجاهه، وتردد كثيرًا في الأمر لأنه كان متزوجًا، ويكبرها بـ25 عامًا، حتى صارحها هو الآخر بحبه، وطلب منها أن تشاركه بطولة فيلم “نساء الليل” عام 1973، وبدأ التصوير ولم يستطع أي منهما إخفاء مشاعره نحو الآخر، حتى عُرض الفيلم وحقق نجاحًا كبيرًا، فعرض عليها الزواج، لكن سرا، ولأن ناهد كانت تعشقه كثيرًا، قبلت أن تكون الزوجة الثانية له، ولكن حدث الانفصال بعد ست سنوات، رافضةً وضع الزوجة الثانية.
حدث الانفصال بين الشناوي وناهد في لبنان، وعاد هو للقاهرة، بينما بقيت هي في بيروت، لتعيش في دوامة تقديم أدوار لا تليق بها كنجمة، وهناك تزوجت للمرة الثالثة مدنيا من المقامر اللبناني إدوارد جرجيان، شقيق الفنان الراقص الراحل كيغام، الذي مات منتحرًا في القاهرة، عندما ألقى بنفسه من بناية فندق شهير بعد شعوره باكتئاب نفسي شديد عندما اندلعت الحرب في لبنان، وذلك بعد أن حذّرها منه الكثيرون لمخالفته ديانتها الإسلامية، ولكنها أصرّت على الزواج منه وظل كل منهما على دينه بعد الزواج، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة “لينا”.
المرض.. والرحيل
في عام 1979، وهي في قمة شهرتها، علِمت خبر إصابتها بسرطان الثدي، وفي هذه الفترة تخلى عنها زوجها، وتركها في لبنان وحيدة، فاضطرت لقطع فترة علاجها لتعود للقاهرة بعد أن نفدت النفقات اللازمة للإقامة، ورغم طلاقها من الشناوي، فإنها لجأت إليه في مرضها، وأبلغته أنها بحاجة إلى إجراء عملية جراحية تستلزم السفر إلى الخارج خلال 48 ساعة، لكنها لا تستطيع، فأخذ الشناوي أوراقها، ليتمكن من الحصول على قرار علاجها على نفقة الدولة، واقتحم مكتب رئيس الوزراء حينها فؤاد محيي الدين، وأطلعه على الأمر، وبالفعل وافق أن تتحمل الدولة تكاليف العلاج، وسافرت ناهد إلى السويد، ونجحت العملية.
وعادت للقاهرة لتمارس حياتها بصورة طبيعية، لكن السرطان هاجم جسدها من جديد، وأبلغها الأطباء بضرورة إجراء جراحة في لندن، فاضطرت للعمل وتكثيف نشاطها من أجل استكمال رحلة العلاج، وعندما سافرت طلبت من زوجها مرافقتها، إلا أنه استغل مرضها في جمع المساعدات المالية بحجة علاجها.
قبل رحيلها بـ4 أشهر، نشرت مجلة “آخر ساعة” في 14 ديسمبر 1980، تقريرًا تحت عنوان “مأساة ناهد شريف”، جاء فيه أنها تعيش وحيدة وسط الدموع والوحدة في فراش المرض في لندن، وعقب ذلك لجأت إلى السفارة المصرية هناك ليُساعدها السفير حسن أبو سعدة، حتى تحصل على الطلاق من زوجها اللبناني، ووفرت لها السفارة شقة بميدان “ميدل سيكس” في لندن، وبعد قضائها 4 أشهر للعلاج، رأى الأطباء أن عودتها إلى القاهرة قد تفيد حالتها النفسية خاصةً مع التأكد من استحالة شفائها، وبالفعل عادت وأكملت دورها في فيلم “مرسي فوق مرسي تحت” لكنها لم تستطع إكمال “الدوبلاج” واشتد عليها المرض، ودخلت مستشفى المعادي التابع للقوات المسلحة، وقبل وفاتها بيومِ واحد أجرت عملية “بذل”، لسحب كمية المياه الكبيرة التي تراكمت في منطقة البطن، حتى رحلت روحها في 7 إبريل 1981، وهي لم تتعد الـ43 عامًا، بعد معاناة مع السرطان لمدة 5 سنوات، وكان آخر من زارها قبل رحيلها بيومين الفنانة نادية لطفي، وزوجها السابق كمال الشناوي، حيث كتبت وصيتها بأن تتولى شقيقتها الكبرى تربية ابنتها التي كانت وقتها في الرابعة من عمرها، وأوصتهما بإجراء جنازة في أضيق الحدود، وهو ما تم بالفعل
في حديث صحفي قديم نقلته جريدة “الأنباء” الكويتية للشناوي، روى تفاصيل اللقاء الأخير: “ذهبت لكي أجد نهاية ناهد، فكانت إنسانة غريبة جدًا هزلها المرض، واستفحل لدرجة أنه أكلها، وبكيت تحت قدميها كبكاء طفل شعر بفراق أمه، وسأظل أذكرها وأشعر أنني أفتقد أجمل ما كان في حياتي”.